الخوف وأسبابه وطرق العلاج |
مقال البابا شنوده الثالث عن الخوف وانواع الخوف وأسبابه وطرق التخلص من الخوف نشر فى جريدة الأهرام يوم الأحد 27 مارس 2011
الخوف: أنواعه وأسبابه :
في هذاالتوقيت, الذي لا يشعر فيه كثيرون بالأمن والأمان, انتشر الخوف وسط كثيرين إذ لا توجد شرطة تحرس, وقد لا يوجد من يضبط المعتدي إذا اعتدي. وكما يخاف الأطفال من العفاريت -مع أنه لا يوجد عفاريت- يخاف الناس حاليا من البلطجية ويوجد بلطجية, ويوجد خارجون علي القانون وهم مسلحون.
لذلك رأيت أن أكلمكم في مقال اليوم عن الخوف, وتاريخه, ومصادره وأسبابه, وأيضا عن أنواعه, وعن علاجه, وأمثلة من الشجعان غير الخائفين.
عندما خلق الله أبانا آدم كان يعيش مع الوحوش ولا يخاف وكانت علاقته مع الله فيها المهابة ولكنها خالية من الخوف غير أنه بعد الخطيئة ابتدأ يخاف ثم دخل الخوف إلي البشرية جمعاء وتعددت أسباب الخوف وتعددت نتائجه وصار احدي الحروب الروحية التي بها يحارب الشيطان الإنسان هل أصبح الخوف أحد الأمراض النفسية, ودخل في طبيعة الإنسان وأصبح هناك درجات من الخوف: منها الخشية, والفزع, والهلع, والرعب. بل قد يحدث أحيانا أن يموت الإنسان من شدة الخوف, ويمكن أيضا أن يفقد عقله أو أن تنهار أعصابه, ويرتعش جسمه خوفًا.
علي أن هناك نوعًا مقدسًا من الخوف ونقصد به مخافة الله جل جلاله وفي هذا قيل: "رأس الحكمة مخافة الله" (سفر المزامير 111: 10؛ سفر الأمثال 1: 7؛ 4: 7؛ سفر يشوع بن سيراخ 1: 16). ومخافة الله تدعو إلي مهابته وطاعته وحفظ وصاياه وتقود إلي محبته إلي حياة التوبة وحياة الخشوع, ولكن الخوف المقدس ليس هو موضوع مقالتنا اليوم هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت، وقد تحدثنا عنه في مقالات أخرى بالموقع.
في مقدمة أنواع الخوف: الخوف الطبيعي وقد قال أحد علماء النفس إن الإنسان يخاف من ثلاثة أسباب: الظلام والمجهول والحركة المفاجئة, وواضح أن هذه الأسباب الثلاثة تتركز في سبب واحد هو المجهول, فالظلام يطوي خلفه مجهولا والحركة المفاجئة لها سبب مجهول. علي أن هناك أشخاصا لهم جسارة قلب, لا يخافون من الظلام, ولا من الحركة المفاجئة.
والخوف من الموت هو أيضا خوف من المجهول, فالموت شيء مجهول, لم يجربه الخائف وكذلك ما وراء الموت هو شيء مجهول أيضًا.
ومن المعروف أنه يخاف من الموت الشخص غير التائب وغير المستعد له ويخاف من يحب ملاذ ومتع العالم الحاضر والإنسان الروحي يستعد للموت بالتوبة والسلوك في طاعة الله ومحبته وحينئذ يختفي الخوف منه, ويمنحه الله اطمئنانا, ولكن الشيطان قد يستغل خوف الموت, فيلقي بضحيته في اتجاه نفسي. إذا يجعل الإنسان يهرب من سيرة الموت وأخباره وينهمك في ملاذ الحياة ولا يسمع عن هذا الموضوع المتعب.
وللأسف نجد مرضى في حالة خطيرة وعلي حافة الموت بينما أقاربهم يبعدون عنهم هذا الاسم المخيف وكذلك أطباؤهم بأكاذيب وطمأنة خادعة, ويشغلونهم في أحاديث وسمر ولهو وتسلية.. إلي أن يدهمهم الموت فجأة بدون استعداد, علي أن محبة الأبدية وسعادة الحياة الأخرى تنجي القلب من خوف الموت وتعطيه روح الاستعداد وتبعده عن شهوات العالم ولذلك حسنا قال القديس أوغسطينوس: "جلست علي قمة العالم, حينما أحسست في نفسي ألا أخاف شيئا ولا اشتهي شيئًا".
هناك نوع سائد وهو الخوف من الناس فكثيرون يخافون ويخشون آذاهم, يخشون من قوة في الناس قد تبطش بهم أو تضيع مستقبلهم أو تخدش سمعتهم, أو أنهم يخشون اعتداء الناس عليهم لذلك يعملون للناس ألف حساب.
ويستغل الشيطان خوفهم من الناس لكي يلقيهم في الملق والرياء والنفاق ولا مانع من اجل إرضاء الناس أن يقولوا عن المر حلوًا, وعن الحلو مرًا, وان يعادوا من يعاديه هؤلاء ويصادقوا من يصادقونه!! وتضيع المبادئ والقيم في طريق الخوف, بل قد يضيع الإيمان نفسه!!
وفي الخوف وفي صغر النفس لا يذكر الشخص إلا تلك العبارات: أرضِهم مادمت في أرضهم, ودارهم مادمت في دارهم, وحيهم مادمت في حيهم!
إن الخوف يجرف مثل هذا الشخص مع التيار فيقوده الخوف وليس الضمير. كذلك يخافون الذين يكونون في أيديهم مصادر فوائد يمكنهم أن يمنحوها أو يمنعوها فيخشي الشخص أن يفقد ما يشتهي فيسير مع التيار.
وقد يخاف البعض من رؤسائهم في العمل ومن في يدهم مصادر رزقهم.
وقد يخاف البعض ممن يستطيعون كشف أخطائهم فإما أن يعاملوهم بخوف في محاولة للإرضاء والإسكات وأما ان يقودهم الشيطان إلي التخلص منهم بجريمة كالسارق الذي يقتل من يراه وهو يسرق وكالزاني الذي يقتل من قد يفضح خطيته ولا يكون القاتل في هذه الحالة في مركز القوة إنما علي العكس في مركز الضعف والخوف.
والناس عموما يخافون من هم أقوي منهم, سواء من هم أقوي منهم عقلًا أو اقوي منهم بطشًا أو اقدر علي الانتقام أو علي تدبير المشاكل والخوف من الناس يزيدهم إيذاء والذي يخاف من غيره قد يخضع له بالأكثر.
هناك نوع آخر من الخوف, هو الخوف من الشيطان والشيطان يفرحه أن تخافه, لأنك في الخوف منه قد تيأس من محاربته فلا تقاوم أو تستشعر الهزيمة كلما حاربك فلا تستبسل في مصارعته وعلي العكس الذي يؤمن بمعونة الله له, لا يخشي إطلاقا ولا من حروب الشياطين لذلك لا تعط الشيطان قدرا فوق قدره, ولا تخف منه فوق ما ينبغي, واعلم أن ما يلزمك في معاملته هو الحرص وليس الخوف.
هناك نوع آخر من الخوف هو الخوف بلا سبب من أمثلته الخوف الطفولي أو نوع من الخوف المرضي فالطفل قد يخاف من لصوص أو أشباح في البيت, بينما لا يكون هناك لا أشباح ولا لصوص. والكبار أيضا قد يخافون من أسباب لا وجود لها أو يتصورون مخاوف وهمية لا حقيقة لها علي الإطلاق, إنما يخلقها خيالهم المريض. ومن أمثلة ذلك الذين يخافون من السحر أو العمل! والإيمان يمنع الخوف ويذكر الإنسان بالقوة الإلهية الحافظة له.